هذا هو حلمي: أمة الإحياء



المقال بتاريخ يونيو 2013


من عقيدة المؤمن أن رجاؤه في الله لا يقل مع البلاء أبدًا، لأنه هو وحده مسبب الأسباب ولا يستعصى عليه شيء. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن سبحانه وتعالى. وفي هذه الأحوال المريرة التي تمر بها الأمة يقيني أن الله يبدل العسر بيسر وتنقلب الأحوال، ويكون ما نحن فيه منحة في ثوب المحنة بإذن الله. ولهذا في هذا الوقت المظلم القاتم أريد أن أشارككم حلمي! نعم حلمي لهذه الأمة ولهذا الوطن في هذا الزمان الذي نعيش فيه.

خلال دراستي الجامعية أخذت محاضرات في الفلسفة، وكان موضوع هذه المحاضرات هو القنبلة النووية. وكنا نتناول فيه الجانب الأخلاقي والإنساني من اختراع القنبلة النووية وتجربتها المريرة في هيروشيما وناجازاكي. وفي أثناء هذه المحاضرات وصلت لاستنتاج شخصي أثر في كثيرًا، وكان سببًا في تشكيل جزء كبير من رؤيتي للعالم. 

كان هذا الاستنتاج هو أن كل نفس بشرية تحتاج لعنصر التربية والتزكية لتصح بها توجهاتها، ونياتها في العلم والعمل. حصل لي هذا الاستنتاج لأنني وجدت أن العالم يمشي بطريقة معاكسة لما يجب أن يكون عليه. بمعنى أننا نُعرف التكنولوجيا بأنها وسائل نُسخر بها موارد الأرض لنرفع بها مستوى معيشة الخلق ونوصل الخير إليهم، ولكن الحقيقة أنه كلما زاد العلم كلما زاد الفقر وكلما زاد العلم كلما زاد القتل وكلما زاد العلم كلما زاد الاستبداد. فكيف يكون كذلك؟ هذا يكون لأننا تجاهلنا أهم عامل في هذه المعادلة وهو عامل النفس البشرية، التي إذا لم تتربى وتتزكى تفسد في الأرض بدلًا من الإصلاح فيها "إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ".


ثم وجدت أن هذه الطبيعة البشرية طاغية لدرجة أن بعض الخلق يجعلون أسمى العلوم وأشرفها، وهي العلوم الشرعية سببًا في الإفساد في الأرض والاستبداد باسم الدين، فتيقنت أن هذه النفس هي الداء العضال، الذي لا مفر لأحد منه إلا بمواجهته  والتغلب عليه. ومن هنا تشكل جزء من حلمي، بأن يُعيد شباب هذه الأمة معنى كلمة "الضمير" التي افتقدناها في كل أنحاء العالم. أؤمن حقيقة بأن جيلنا هذا والأجيال من بعده سيصبحون ضميرًا للوطن أولًا ثم ضميرًا للعالم ثانيًا، يضعون مصلحة الإنسان وعمارة الأرض في أول أولوياتهم في سعيهم على العلم والعمل في هذه الدنيا.


أحلم بجيل من الأمة يؤمن بأهمية الإنسان، الذي كرمه الله سبحانه وتعالى بقوله "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ". يؤمن بأهمية الإنسان ويسعى ويجد ويجتهد في تعلم العلم النافع الذي ينفع به أخوه الإنسان ويقضي به حوائجه وييسر به أمور دنياه. يؤمن بأهمية الإنسان ولا يرى أي تعارض ما بين الإنسانية والإسلام، بل يرى أن المسلم لا يكون مسلمًا قبل أن يكون إنسانًا.

أحلم بجيل من الأمة يرى نفسه حلقة قوية في سلسلة طويلة، يحمل على كتفيه المسؤولية التي حملتها قرون الأمة من قبله ليحملها للقرن الذي بعده. جيل يرى أن وقته أهم بكثير من أن يضيعه على المقاهي طوال الليل في ما لا ينفع. جيل يكون منتجًا في هذا العالم ومُضِيفًا له وليس مُضافًا إليه. جيل قوي يحترمه العالم بأسره لضميره وإنسانيته واحترامه لأخيه الإنسان.


أحلم بشباب واعي وسطي يؤمن بدينه وبتراثه وبثقافته وفي نفس الوقت ينفتح على العالم بما فيه ويتعامل مع غيره من الأديان والثقافات والحضارات. أحلم بشباب يكون ثروة حقيقية للحضارة الإنسانية العالمية يفيد ويستفيد ويؤثر ويتأثر. شباب ممكن متعلم تعليم قوي ينافس به أخوه الإنسان ويتعامل معه معاملة الندية لا معاملة الخضوع.

في أوقات موات القلوب نحتاج لما يحييها لأن في حياة القلب حياة للإنسان وفي حياة الإنسان حياة للعالم. نحتاج في زماننا لنماذج من "الأحياء" الذين ينيروا قلوب كل من رآهم أو اجتمع بهم. هؤلاء الأحياء هم عملة نادرة في هذا الزمان وهم كالكبريت الأحمر، لا يراهم ولا يجدهم إلا من كان يبحث عنهم. فلنجد ونعمل في البحث عن هؤلاء الأحياء والدخول في معيتهم حتى نستقي من رحيق الحياة الصافي الذي ينقلنا من حياة الحيوان لحياة الإنسان. عندئذ فقط سيصبح لوجودنا معنى وأثر وعندئذ فقط ستكتب أمتنا في كتب التاريخ أنها "الأمة التي أحيت العالم".


"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ".

صدق الله العظيم.


شارك المحتوي