المقال بتاريخ نوفمبر 2012
آسف، ولكننا لم نثور بعد. وأسأل نفسي قبل أن أسألكم متى نثور؟ عندما كنا نتكلم عن الثورة كنا نقول أن من حقنا أن نغير من يحكمنا، إن لم يكن يفعل لنا ما نريد منه ولهذا انتفضنا ونزلنا إلي الشوارع. ولكن إن كنا نثور علي من يحكمنا ألا يتطلب هذا أن نكون أصلًا أحرار؟ كيف نتحرر من أسر عام ونحن لازلنا في أسر خاص؟ كيف نحرر بلدنا ونحن لم نحرر أنفسنا؟ كيف نثور على من يحكم البلاد ونحن لم نثور على من يحكم العباد؟ إن كنا نريد أن نثور على من يحكمنا فلنسأل أنفسنا ما الذي يمنعنا أن نكون من نريد أن نكون؟ من الذي يمنعنا من العمل بدل الكسل؟ من الذي يمنعنا من اتباع القوانين بدل من خرقها؟ من الذي يمنعنا من السكوت حين يجب أن نسكت والكلام حين يجب أن نتكلم؟ من الذي يمنعنا من الغضب إذا أردنا الهدوء؟ كفانا من إيجاد الأعذار وإلقاء اللوم علي الغير، الحقيقة أننا عبيد لشيء أخر، نحن عبيد أنفسنا.
الإنسان الحر هو الذي يملك عقله وحواسه وجوارحه وليس العكس. وكل من ليس حرًا في ذاته فلا يستطيع تحرير غيره فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
متى؟
نثور على الجهل بالعلم
نثور على الكسل بالعمل
نثور على اليأس بالأمل
نثور على الغضب بالحلم
نثور على المقت بالحب
نثور علي القسوة بالرحمة
نثور على الكبر بالتواضع
نثور على الفرقة بالوحدة
نثور على الكذب بالصدق
نثور على الأنانية بالإيثار
نثور على الحقد بالعطاء
نثور على الجبن بالفتوة
نثور على الإهمال بالإتقان
الثورة تبدأ مع عدم الرضا عن النفس والغضب منها، الثورة تبدأ مع التوبة، الثورة تبدأ مع تغيير بوصلة القلب، الثورة تبدأ مع اليقظة من السبات العميق.
فبينما نحن في سبات عميق لابد لنا من يقظة، متى نحمل أمانة الله فينا؟ متى نحفظ عهد نبينا لنا علينا؟ متى نكون رجالًا من الذين صدقوا الله ما عاهدوه عليه؟ إن الله متم نوره بنا أو بغيرنا، فإن لم يستعملنا واستبدلنا فنحن إذًا الخاسرون.
لم هذا الضعف؟ لم نرضى الدنية في أنفسنا؟ لم نكون من خير أمة أخرجت للناس فنستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ كيف رضينا بأن نكون من اللاعبين اللاهين، والله قد أراد لنا أن نكون من أتباع رحمة العالمين؟
إن كان الله اختص هذه الأمة بأن تحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العالمين فهذا تكليف لنا لا يعدله تكليف، فلا يحق لنا اللعب ولا اللهو واللغو، لأن في نهضتنا خير الأمم وفي فشلنا فشلها. فإننا سفراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن فشلنا في تبليغ رسالته فقد كنا سبب في منع خيره أن يصل لغيرنا، وهذا هو الظلم المبين.
توارثت هذه الأمة الكثير من المفاهيم الفاسدة التي تعطلنا عن تحقيق مطالبنا من الدنيا والآخرة. ونحن لم نقف حتى الآن لننظر فيها أهي صحيحة أم لا؟ وما فائدتها لنا؟ فكل شيء لا فائدة منه فلا حاجة لفعله؟ إن كنا نفعله فقط لأنه "العادة"، إذًا فنحن أشبه بأهل الجاهلية عن أهل الإسلام"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ".
لقد أتي هذا الدين ليهدم الأوثان كلها ويلغي كل عبودية إلا لله وحده، فكل أسر أو عادة شخصية أو إجتماعية تقف بيننا وبين تمام العبودية وعمارة الأرض، فهو وثن في داخلنا ويجب أن نثور عليه. فلا أمل في إحياء هذه الأمة بعد موتها إلا بثورتها على نفسها في إرضاء خالقها، عسى الله أن يرزقنا ثورة علي أنفسنا، تخليها من كل قبيح وتحليها بكل مليح حتى نكون لنداء الله مجيبين ولعهده حافظين ولأمانته حاملين.
شارك المحتوي