لكم دينكم ولي دين



 المقال بتاريخ أبريل 2012


من سنة الله في كونه أن تمر على الأمم فتن عظيمة، بها يميز الله الخبيث من الطيب ويظهر فيها معادن الناس ويمتحن فيها إيمان الأصفياء لترقيتهم. فمن صبر واحتسب وثبت على ما عاهد عليه الله فسيؤتيه الله أجرًا عظيمًا، ومن خان وكذب ونافق فهو في الدرك الأسفل من النار. علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، فحذرنا من المنافقين وأخبرنا عن صفاتهم حين قال: "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان". وفي شرح النبي لصفات المنافق آية كبيرة لمن اعتبر، وهو أنه صلى الله عليه وآله، لم يتكلم عن عبادة أهل النفاق ولكن تكلم عن معاملاتهم. فقد يكون المنافق أكثر الناس عبادة وتمسكًا بظاهر الشريعة، ولكن قلبه خالي من الإيمان والقلب هو محط نظر الرب، فلا خير في عمله  ولو كان أعبد الناس.


فلا ننخدع بمن يتلبسون بالدين، ولا نغتر بالباطل لكثرة أتباعه فهذه سمة أهل الخذلان ولكن هذه أيام الله يداولها بين الناس كما يشاء ولنتذكر قول الله تعالى: "وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ". فإذا قضت حكمة الله أن يهلك قوم بظلمهم فتح لهم باب الأسباب ومكنهم منها، حتى إذا ظنوا أنهم مُتصرفون في الخلق أهلكهم الله بظلمهم، وما ذلك على الله بعزيز.


ولنا في الثبات علي الحق خير أسوة وخير مثال، وهو الإمام الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم. رفض أن يقول كلمة باطل ولو كان فيها خلاصه و خلاص أهله وعشيرته، ولما طُلب منه أن يبايع يزيد بن معاوية قال: "إن مثلي لا يبايع مثله"، صدقت يا إمام. 

أهل الحق لا يبايعون أهل الباطل ولو كان الموت دونه. رفض الإمام الحسين أن يبايع يزيد، وخرج إلى الكوفة لينصر قومًا استنجدوا به من ظلم يزيد، فحتى إذا وصل لكربلاء تخلى عنه أهل الكوفة وتركوه. ووقف الإمام مع بضع وسبعين من أهله وأصحابه مقابلًا لجيش عبيد الله بن زياد المكون من بضعة آلاف. فلم يبالي ولم يجزع ولم يخاف ودافع عن دينه وإيمانه، حتى قتل وقتل معه أولاده وأولاد أخوه الإمام الحسن وأولاد أخته السيدة زينب وأولاد عمومته ولم ينجو منهم إلا القليل. وتمر السيدة زينب على الإمام بعد قتله، فترفع يدها إلى السماء، و تدعو الله قائلة:"اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان"، وتعتبر دماء الإمام الحسين "القليل" من القربان لله تعالى.


والحقيقة أن فتن الزمان كلها يمكن أن تتلخص في واقعة الإمام الحسين، قلة قليلة من أهل الإيمان  والصدق تقابل الكثير من أهل النفاق محبي الدنيا ومعدومي الإيمان. والقضية ليست في من سينتصر، القضية في من سيثبت على الحق. فإن جيش عبيد الله بن زياد قتل الإمام  وأصحابه ولكن التاريخ خلد ذكرى الإمام بالترضي والسلام والرحمة والإيمان بينما إذا ذكر عبيد الله وإخوانه تذكرنا الخيانة والنفاق بل والكفر أيضًا.


فاجعلوا هذه الصورة نصب أعينكم دائمًا وتذكروا قصة الإمام، حتى لا تجزعوا ولا تخافوا ولا تحزنوا. واعلموا أن أهل الحق سيظلوا دائمًا هم القلة وهذة سنة الله في كونه:"وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ". فمن خرج من هذه الفتنة ودينه سالم فقد أفلح ونال المراد. ندعوا الله أن يجعلنا من أتباع أهل الحق وأن يباعد بيننا وبين المنافقين، ونشهده أننا ثابتون على عهده وعهد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا 22 مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا".


فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً  

إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً


شارك المحتوي