المقال بتاريخ ديسمبر 2014
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله الذي بلغنا ربيع الرحمة والعطايا، ربيع المنة الكبرى، ربيع الرحمة المهداه، ربيع مولد النبي المصطفى والرسول المجتبى، الذي بظهوره تم مراد الحق من خلق الخلق، فهو العبد الكامل الذي عبد الله كما أراد الله فتم به قول:"وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، فنسبة وجود غيره من الخلائق لوجوده نسبة الفرع من الأصل والنفل من الفرض.
ولست في معرض الكلام عن مولد الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه وآله والاحتفال به من باب الحل والحرمة، فإني أجد من أثر هذا النقاش سوء أدب مع حضرته، وقساوة في القلب، وانطماس للبصيرة. لأن الفرح بالحبيب ليس من نوافل الإسلام، ولكنه من فروض الإيمان وشواهد الإحسان، والغافل عن معاني الفرح بمولده الشريف لا يحتاج لمطالعة كتب الفقه، ولكنه يحتاج لصحبة أهل المحبة.
والفرح بمولد الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله دليل على سلامة إيمان صاحبه وفهمه عن الله ومعرفته بقدر الرحمة المهداة. لأن كل منا له أحداث معينة إذا تذكرها أورثته الفرحة، إما لأنها كانت باب للخير له، وإما لشعور معين من السرور انتابه في هذا الحدث. وعلى قدر الخير الذي أتاه ويأتيه بهذا الحدث علي قدر ما يفرح به، كما نفرح بأيام ميلاد أبنائنا أو يوم زواجنا أو غير ذلك من الأيام، فيكون فرحنا مرتبط بدوام الخير الذي أتانا في هذا اليوم.
فشعور الفرح من عدمه بذكرى معينة، له ارتباط مباشر بإدراكنا لأثر هذه الذكرى علينا، والنفس السليمة تفرح بأي حدث كان سبب في الخير لها، ولكن الشأن في إدراك حقيقة هذا الخير، وقيمته بين حوادث أُخرى كانت أيضًا سبب في الخير. وبهذه المنهجية نستطيع فهم لم يعظم أهل الله ليلة المولد الشريف ويفضلونها على كل ليالي العام، لأن حادث ميلاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو السبب الأعظم في كل خير أصاب أهل أمته في الدين والدنيا والآخرة.
أشار الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم لكونه سبب هذا الخير في قوله:" إنما أنا رحمة مهداه"، وأشار الله سبحانه وتعالى لهذا الأمر في قوله "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا"، وأمرنا الله بالفرح بفضله ورحمته في قوله: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ".
فهو صاحب الشفاعة الكبرى التي يشفع فيها لكل الخلائق، وهو صاحب الشفاعة الخاصة لأهل أمته، وهو فرطها علي الحوض، وهو حامل لواء الحمد يوم القيامة، وهو الداعي لأمته بعد كل صلاة، وهو من أشتاق لنا قبل أن نشتاق إليه، وهو الذي أرضاه ربه الذي قال له: "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى"، لعلمه أنه لا يرضى إلا بنجاة كل من آمن به وصدقه.
فالغافل عن الفرح بمولده الشريف غافل في الحقيقة عن فضله الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، إذ لو علم ما ساقه الله إليه من الخير بسببه لفرح بمولده في كل نفس، ناهيك أن يفرح به في العام مرة. بل إن من يفرح به في العام كله مرة واحدة مقصر في حقه، فما بالك بمن يأبى أن يفرح به هذه المرة الواحدة؟
وأما من وجد في قلبه السرور بقدوم ربيع الأنوار فليستبشر خيرًا، فمن فرح بهم فرحوا به، ومن حياهم بتحية ردوا عليه بخير منها. جعلنا الله وإياكم من أهل الفرح برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمين.
شارك المحتوي