ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد



مقال بتاريخ يناير 2014


بعد أيام قليلة تحل علينا أشرف ليلة في الوجود، التي اختصها الله سبحانه وتعالى ليكون فيها ظهور كمال النور المحمدي الشريف الذي من أجله خلقت الأكوان ولولاه ما كان أنس ولا جان. 

وكل من آمن بالله سبحانه وتعالى، يؤمن بأن إرادة الله سبحانه القديمة خصصت ما أراد الله إظهاره في الوجود وكيفية ظهوره، وأن كل من أراد أن يغير سنة الله في كونه أو إخفائها فقد جانبه الصواب واستبدل الحقيقة بالوهم "فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا".


وهذه الإرادة الربانية والمشيئة الرحمانية قدرت ظهور نور في الأكوان، يكون مظهرًا للجمال، وقطبًا للجلال، تدور حوله أفلاك الأكوان ومنه يستمد كل مخلوق هدايته، "قَالَ فَمَن ربّكُمَا يا مُوسَى* قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى". وقد اختص الله سبحانه وتعالى بعض خلقه على بعض في شهود هذا السر الساري والنور الجاري في الأكوان، فبينما أخذ الله على كل الخلق عهده قبل القبل بأنه ربهم فأقر الخلق أجمعين، "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا "، أخذ الله عهدًا أخر على أنبيائه وعرفهم علي ذات الحبيب المشرفة، "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ"

فظهر أنبياء الله في الكون مبلغين عن حضرة الحق سبحانه وتعالى ومبشرين قومهم بظهور النور الأتم في الوجود"وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ".


وكما خص الله سبحانه وتعالى أنبياءه المشرفين المعظمين، فقد خص أولياءه والعارفين به ببعض من هذا الشهود لهذا النور القديم الساري المحمدي، فقال عنه سيدي عبد السلام بن مشيش:" اللهم صلي على من منه انشقت الأسرار وانفلقت الأنوار وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم، فأعجز الخلائق وله تضائلت الفهوم، فلم يدركه منا سابق ولا لاحق" حتى قوله "ولا شيء إلا وهو به منوط إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط". وترجم عنه سيدي إبراهيم الدسوقي قائلًا:"اللهم صلي على الذات المحمدية اللطيفة الأحدية، شمس سماء الأسرار ومظهر الأنوار ومركز مدار الجلال وقطب فلك الجمال".


وليلة المولد الشريف لحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هي إقتران بين القدرة والحكمة في وجود هذا النور المحمدي. لأن القدرة إن كانت قد أظهرت هذا النور من قبل القبل وبه كان صاحبه اسمه "أحمد" من أفعل التفضيل لأنه أكثر الخلق حمدًا بأولية وجوده، فإن الحكمة اقتضت ظهور هذا النور في الذات البشرية في يوم مخصوص وساعة مخصوصة، وكانت ليلة مولده المشرف هي الليلة المختارة من قبل الحق لحصول هذا الحدث العظيم. وقيمة الأوقات تحدد بما يظهر الله فيها، فما قيمة ليلة اختارها الله ليكون فيه ظهور أفضل خلق الله على الإطلاق ورحمته للعالمين وصاحب الشفاعة الكبرى في الخلق أجمعين يوم القيامة ؟


ولأن الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم هو المختار من قبل الحق ليكون رحمة مهداة للأكوان بأسرها، فجعله الله سبحانه وتعالى هو من يتقدم يوم القيامة ليشفع لكل الخلق أمام الله سبحانه وتعالى بينما يتخلف عن هذا الموقف كل ما دونه من الخلق. وإن كان هذا دليل على شيء فهو يدل علي أن الحبيب هو الواسطة العظمى بين الخلق والخالق، إذ أن الخلق كلهم يُرحمون بشفاعته في هذا الموقف العظيم.


وإن كانت هذه المعاني في مولد الحبيب قد غفل عنها كثير من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهذا لا ينقص من حقيقتها شيء، فعلينا أن نستشعر فضل الله علينا في هذا اليوم العظيم كخلق من الخلق الله مستهم وتمسهم رحمة من الله بسبب الحبيب في كل ساعة، وكمسلمين اختصهم الله بنسبتهم لهذا الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. وبهذا يصير الفرح بالحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في هذا اليوم من واجبات الاعتراف بفضل الله وشكره على منته العظيمة: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ".


جعل الله كل أيامنا وليالينا فرحًا بالحبيب صلى الله عليه وآله وسلم واتباعا لحضرته وجمعنا وأحبابنا وإخواننا وكل من قال لا إله إلا الله على صراطه المستقيم آمين.


شارك المحتوي