المقال بتاريخ يناير 2013
تقبل علينا في الأيام المقبلة ذكرى أسعد يوم لنا، ولا أعني أي لنا أمة الإسلام، ولا أعني بها حتى بني آدم، بل أسعد يوم على كل الكون. فميلاد الحبيب المحبوب صلى الله عليه وآله وسلم كان رحمة لكل ما خلق الله سبحانه وتعالى، فهو الذي قال له مولاه :"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ". والعاقل يفرح إذا ما أتاه رحمة من مولاه، وفرحه بالرحمة هي فرح بالرحيم، واستهانته بها هي استهانة به ولهذا قال الله تعالى:"قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ". ففرحنا برسول الله فرح واجب إذ تقتضيه الفطرة الإنسانية، وهو طاعة لأمر الله تعالى، وهو من فروض المحبة. فمن أحبه فرح به، ومن فرح برسول الله فرح رسول الله به.
ولا يخفى على المسلم الفضل الذي ساقه الله إليه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فإن كان الإسلام هو أعظم نعمة من الله عليها بنا، فلولا رسول الله ما عرفنا الإسلام وما كنا مسلمين، وإن كان كتاب الله هو سر شرف الأمة لأنه خطاب الله لها، فإن هذا الخطاب جائنا على لسان رسول الله. والحق أن كل خير ساقه الله إلينا في الدنيا والآخرة جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سببًا فيه، بل يكفينا نعمة أن الله جعلنا من أمة رسول الله، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "أنا حظكم من الأنبياء، وأنتم حظي من الأمم". فنعم الحظ حظنا، ونعم الشرف شرفنا.
والفطرة السليمة تحب الجمال، ولا يوجد في الكون من هو أجمل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. جمله الله وكمله خَلقًا وخُلقًا. فكما يقول الإمام البوصيري في بردته:
"فهو الذي تم معناه وصورته *** ثم اصطفاه حبيبًا بارئ النسم
منزه عن شريك في محاسنه *** فجوهر الحسن فيه غير منقسم"
ففي جمال خَلقه حير العقول وسباها، وفقط ننقل ما أنشده سيدنا حسان بن ثابت الصحابي في جمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"لما رأيت أنواره سطعت *** وضعت من خيفتي كفي على بصري
خوفًا على بصري من حسن صورته *** فلست أنظره إلا على قدري
روح من النور في جسم من القمر *** كحلية نسجت من الأنجم الزهر"
أما عن جمال خُلقه وكماله فكيف نثني على من أثنى عليه مولاه فقال له "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ". ويكفينا من تمام خلق رسول الله ما نقل لنا أن في غزوة أحد لما اشتد القتال وأوذي رسول الله وسالت الدماء من فمه الشريف، التف حوله أصحابه وطلبوا منه الدعاء على المشركين فقال الحبيب الأعظم :"إني لم أبعث لعانًا ولكني بعثت داعيًا ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون". والمتفكر في حال هذه الرواية وكيف رد رسول الله هذا الرد في وسط هذه الأحداث يعلم يقينًا أنه على خُلق عظيم، وأنه لم يأتي علي الدنيا مثله قبله ولا بعده.
فالفرح برسول الله هو ما يتبادر إلى أذهان العقلاء ذوي الفطرة السليمة. وإياكم ومن يريدون أن يقطعوكم عن محبته فحبه دين والفرح به دين والشوق إليه دين والفناء فيه دين.
فأما الفرح به فدين لقول الله تبارك وتعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"
وأما حبه فدين لقوله صلي الله عليه وآله وسلم:"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممن سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
وأما الشوق له فدين لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أشد أمتي حبًا لي ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله".
وأما الفناء فيه فدين لقوله صلي الله عليه وآله وسلم:" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين".
فاللهم فرحنا برسول الله وفرح رسول الله بنا، وكما فرحتنا به في الدنيا ففرحنا به في الآخرة، وكما شوقتنا إليه في الدنيا فاجمعنا عليه في الآخرة ولا تحرمنا يوم القيامة رؤيته، ومتعنا اللهم بشفاعته وصحبته إنك على كل شيء قدير.
والحمد لله في بدء وفي ختم *** ثم الصلاة على المختار في القدم
شارك المحتوي