القلب يعشق كل جميل




دائما ما تفرد الفلاسفة والمفكرين والمثقفين عن أسباب الوجود، وعن المحركات الأساسية وراء وجود الكون وعمله بالطريقة المنظمة التي هو عليها. ولكني لن أتكلم عن هذه النظريات وأشرح فيها فهي موجودة في الكتب والإطلاع عليها سهل. ما سأفعله هو محاولة شرح تجربتي الشخصية المتواضعة عن ما أراه سر الوجود، سأتكلم عن الحب.


الحب هو الحقيقة الكاملة وهو القوة المجردة التي خلقها الله في هذا الوجود. الحب ليس مشاعر فقط، ولكنه طاقة نورانية تحرك كل شيء وتؤثر في كل شيء. فالجمادات تُحِب وتُحَب، والنباتات تُحِب وتُحَب، والحيوانات تُحِب وتُحَب، والإنسان يُحِب ويُحَب، و ذرات الوجود كلها تُحِب وتُحَب.


الحب هو الدين والإيمان. والحب نور حارق في القلب، يحرق كل ما سوى المحبوب. طريق الحب طريق جميل، مليء بالكد والتعب والبكاء والسهر. الحب هو الفطرة الأصلية التي خلق الله عليها الخلق. الحب هو الفناء، هو أن تنسى نفسك في محبوبك فلا تدري أأنت أنت؟ أم أنت هو؟ الحب أن ترى أنك لكل شيء وأنك كل شيء. الحب أن ترى نفسك في الشجر والبحر والحجر. الحب أن تنظر للنجوم وتعرف أنه مهما تباعد الزمان والمكان فأصلكما واحد، فتشتكي للخلق ويشتكي إليك الخلق. الحب أن ترى محبوبك في كل شيء، فكلما تدير وجهك تراه أمامك.


الحب هو العلم، هو النور الذي يذهب ظلمة القلب. الحب هو الرحمة، هو أن تتمنى أن تتحمل مآسي الخلق كلهم، ولا ترى أحد من خلق الله في ضرر. الحب هو أن تسعد للناس كسعادتهم لأنفسهم، وتحزن لهم كحزنهم لأنفسهم. الحب أن ترى أن جميع الخلق لك نظيرًا، ولو كرمك الله بالإنسانية فالأصل واحد. فلا ترى لنفسك مزية على كلب ضال في الشارع مثلًا بل تنظر إليه وتحبه، وتقول إليه بحالك أقسم بالذي خلقك إني أحبك لأني أرى حبيبي فيك.


الحب أن تحب الحب فتفنى به عن محبوبك تارة، وتفنى بمحبوبك عن حبك تارة. الحب هو أن تشعر بلذة التذلل لمحبوبك، وتشتكي إليه حالك، لا تبرمًا، ولكن أمًلا في أن يرد عليك ولو بالرفض. فكل ما يُريد المحب أن يتصل بحبيبه ولو بالإعراض عنه.


الحب ألا يفهمك الناس ولا تفهم الناس، فلو تكلمت رُميت بالباطل ولو سكت دل حالك عليك. فتارة تكون لهم مجنونًا وتارة مسكينًا وتارة مريضًا. والحقيقة أنك تحب، والمحب لا يفهمه إلا المحب.


الحب هو رسالة كل المرسلين، فكلهم سقاهم ربهم هذا المعنى، ثم بعثهم في أممهم ليخبروهم عما أذاقهم الله. الحب هو أن تنسى من كنت قبل أن تحب فلا تعلم من أنت ومن أين جئت؟ ولكنك تعلم إلى أين تريد أن تذهب.


الحب لغة أزلية قديمة، استودعها الله في الوجود ويتكلم بها جميع موجود.


 وأختم بكلام سيدي الشيخ عقيل مظهر عليه رحمة الله ورضوانه:


"هنا مدرسة الحب. ولولا أنتم ما جئت أنا ولولا أنا ما جئتم أنتم" – سيدي الشيخ عقيل مظهر 5 أكتوبر 1993 لتلاميذه في ساحة الطريقة البرهامية بالسنبلاوين.


(أسبوع قبل وفاته عليه رحمة الله)


شارك المحتوي