خلق المسلم: رحمة النبي



منذ بضعة أيام خطر لي خاطر في قلبي وأنا أتابع الأحداث التي تمر بها البلاد. سألت نفسي، إني أعلم يقينًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تُعرض عليه أعمالنا ويرى أحوال المسلمين، فتُرى ماذا يظن فينا؟ إن هذا الخاطر ملئ قلبي بالحزن والأسى لإحساسي بحزن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا. فقد ضيعنا رسالته التي أرسل بها حيث قال : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". 

إن نبينا يا أحباب رسول الله كان أكثر خلق الله أدبًا وخُلقًا، وكان يأمر أصحابه بحسن الخُلق على كل حال ومع جميع الناس. بل ويشدد على أهمية الخُلق في هذا الدين  حيث قال: "أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا".  فلم يقل أقربكم مجلسًا مني أكثركم صلاة أو صيامًا أو إنفاقًا بل قال أحاسنكم أخلاقًا. لنتعظ من هذا الكلام يا أحباب ونراجع أنفسنا، أين نحن من خلق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؟ أين نحن من الذي وصفه ربه بصفاته فقال عنه الرؤوف الرحيم؟  لما أراد أن يمدحه قال فيه "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، وهذا تصريح من الله بأهمية الخُلق في الدين. فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أكثر الناس تعبدًا لله قطعًا، ولكن رب العزة لما مدحه، مدحه على خُلقه العظيم. إنا بدأنًا هذه السلسلة المتواضعة المسماة "خلق المسلم" حتى نتعرض فيها لبعض من أخلاق النبوة التي تم نسيانها لنحييها في قلوبنا من جديد، عسى الله أن يجعل فيكم وفينا الإفادة ويُحيي فينا خلق النبي بسر قوله:"وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ".


وأول ما نتعرض إليه في هذه السلسلة، هي بعض المواقف من السيرة النبوية العطرة التي يظهر فيها الخُلق العظيم لحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأول ما يتبادر إلى قلبي هو رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمشركين الذين كذبوه وآذوه وطردوه وسبوه وحاربوه في الله.


 كان النبي المعظم في غزوة أحد، وقد حاصره المشركون، وتجمع حوله أصحابه لكي يحموه، ويُؤذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجهه فينسال منه دمه الشريف وتُكسر رباعيته وهو خير الأنام. وفي هذا الموقف العصيب ينظر إليه سيدنا أبي بكر الصديق وهو مليء بالحزن على رسول الله  فيقول له أدع عليهم يا رسول الله، فيقول حبيبنا وقرة أعيننا المصطفى:"ما بعثت لعانًا، اللهم أهدي قومي فإنهم لا يعلمون".  يعلم النبي أنه على الحق، وأنه إذا دعا عليهم فسيستجيب له رب العزة، ولكن الرحمة التي استودعها الله في قلبه تأبى الدعاء علي أحد من خلق الله بل ويدعو لهم بالهداية.


وفي الموقف الأخر المشهور، موقف الفتح المبين الذي وعده الله لرسوله. بعدما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة مهاجرًا إلى ربه بعدما أذته قريش شر أذى وأذت أصحابه المؤمنون حتى أمره الله بالهجرة الشريفة. بعد كل هذه الأعوام يعود النبي إلى مكة فاتحًا منتصرًا فيكون أميرًا على إحدى سرايا الجيش رجل من الأنصار فيقول: "اليوم يوم الملحمة"، فيرد عليه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: "بل اليوم يوم المرحمة"، ويعزله عن إمارة السرية. ثم يجمع أهل مكة في أسرع محاكمة علانية شهدها بني آدم، يقول لهم :"ما تظنون أني فاعل بكم"، فيقولون له: "أخ كريم وابن أخ كريم". فيرد عليهم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، بعد كل ما فعلوا يا رسول الله تُطلقهم بهذه السهولة؟ نعم ولما لا وهو الذي بعثه ربه رحمة للعالمين! وإن كان هذا هو حال النبي مع المشركين الذين كانوا يؤذونه ويحاربونه، فما بالكم بالذين كانوا يعيشون معه في المدينة في سلام؟


هذا هو نبينا يا أحباب رسول الله، هذا هو الرجل الذي بعث فينا، هذا هو من نحشر في لواءه يوم القيامة ونرد عليه الحوض بإذن الله. فكيف ننظر إليه يومئذ وقد أبغضه بعض الناس الذين لم يروه ولكن رأونا نحن وأبغضوه بسبب ما رأوه منا ؟ عذرًا رسول الله،  والله نشهد لك أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في سبيل الله حتى أتاك اليقين. ونشهد أن التقصير منا وعذرًا على ذلك.


يا أحباب هذه اللقطات من السيرة النبوية العطرة التي نعرفها جميعًا ليست قصص من التاريخ نرد بها على أصحاب الشبهات أو معلومات دينية نتباهى بها أمام الخلق، هذا هو الدين. هذه اللقطات يجب أن تعيش في قلوبنا ونقتدي بها في جميع الأحوال. خُلق النبي محله ليس فقط كتب السيرة ولكن محله قلوب المؤمنين. اعرفوا خُلق نبيكم وأحبوه، ثم أذكروه دائمًا واقتدوا به في كل حال. 

الفلاح الفلاح في اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتباعا حقيقيًا قلبًا وقالبًا، وليس اتباعًا ظاهريًا فقط بدون تتبع أخلاق وأحوال رسول الله.


نسأل الله العظيم أن يمن علينا باتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولًا وفعلًا وخلقًا وحالًا وأن يؤمننا في أوطاننا ويُصلح لنا الأحوال جميعًا ببركة النبي المصطفى وكل من سكن مصر من العترة الطاهرة والأولياء الصالحين عساه يقبلنا ببركتهم آمين.


شارك المحتوي