مفاهيم يجب أن تصحح: عن التصوف والصوفية



المقال بتاريخ يونيو 2013


في الفترة الماضية ومن خلال مناقشات مع أشخاص مختلفين ظهر لي أن هناك بعض المفاهيم المنتشرة حول التصوف، والتي تحتاج إلى توضيح لأن هناك منها ما هو ليس بحقيقي، وهناك منها ما يحتاج إلى تفصيل. ولهذا أكتب هذه المقالة التي سميتها "مفاهيم يجب أن تصحح" متأسيًا بالعلامة السيد محمد علوي المالكي الذي كتب كتابًا بنفس الاسم، وأسأل فيها بعض الأسئلة والمواضيع التي تثار حول التصوف وأناقشها معكم، عسى الله أن ينور بصائرنا  يهدينا جميعًا للحق بإذنه.


سؤال: لماذا توجد طرق صوفية؟ وهل تعتبر هذه الطرق تفريقًا للأمة وتقسيمًا لها ؟


ميراث الحبيب لأمته صلى الله عليه وسلم قسمه العلماء لثلاثة علوم أساسية، سموها علوم المقاصد وهي العلوم المطلوبة لذاتها. وهذه  العلوم الثلاثة: هي العقيدة والفقه والسلوك (التصوف). 

أقام الله لكل من هذه العلوم مدارس تصنف فيها، وتخدمها، وتُرتب أبوابها، وتستنبط أحكامها من الأدلة الشرعية. 

فظهرت مدارس السادة الأشاعرة والماتريدية في العقيدة، يحفظ الله بها عقيدة أهل السنة والجماعة على مر الزمان، وظهرت المذاهب الفقهية الأربعة: الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية لتستنبط أحكام الفقه من العبادات والمعاملات للمسلمين، وظهرت الطرق الصوفية لتحفظ ميراث الحبيب في السلوك وتزكية النفس. 

وبهذا يظهر أن الصوفية ليست مذهب عقيدي أو فقهي، وأن أهل التصوف هم أهل السنة والجماعة، فهم إما أشاعرة أو ماتريدية في العقيدة ومذهبيين في الفقه، ولكنهم اعتنوا بالجانب السلوكي من ميراث الحبيب أكثر من غيرهم فحفظه الله بهم. وأصبحت الطرق الصوفية هي مدارس السلوك وتزكية النفس التي تنقل هذا الميراث من التربية وحسن الخلق من قرن إلى قرن محافظة عليه في الأمة.


سؤال: لماذا يتكلم الصوفية عن اتخاذ الشيخ؟ وهل الولاية مقصورة على أهل الطرق الصوفية؟ وإن لم تكن مقصورة فلم نتصوف؟


اتخاذ المُعلم سنة من سنن الله في الكون، فكل من أراد أن يتعلم فنًا من الفنون يتخذ لنفسه معلمًا خبيرًا من أهل هذا الفن ليعلمه له. ويكون هذا المُعلم قدوة لتلاميذه يحبونه ويتعلمون منه ما ينفعهم، وكلما كان هذا المعلم أعلم بهذا الفن تجربة وذوقًا كلما زاد انتفاع تلاميذه به. والدليل الشرعي على اتخاذ المعلم فكثير نذكر منه "الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا" و"فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" و"إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ".


فإن قلنا هل يعني هذا أن الهداية مقصورة على من اتخذ لنفسه شيخ؟ إن اتفقنا أن الله يجعل الشيخ أو الولي سببًا في الهداية، فإننا نعلم أن الله يحكم الأسباب ولا تحكمه الأسباب، وبهذا تكون الإجابة لا ليست مقصورة طبعا لأن "اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ". فقد يجعل الله الولي سببًا في الهداية وقد يهدي بلا سبب، ولا نوجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه.


فيكون السؤال هنا إذًا فلم نتخذ الشيخ ونسلك طريق التصوف؟  


فالإجابة تكون بالنظر إلى القاعدة، هل جعل القاعدة أن يهدي بواسطة الشيخ أو الولي أم أن القاعدة أن الله يجذب إليه من يريد بلا سبب؟ القاعدة التي جرت عليها الأمة بالنظر في تراجم العلماء والصالحين هي اتخاذ المشايخ وصحبتهم وسيلة للوصول إلى الله، وخرج عن هذه القاعدة بعض الأولياء والصالحين الذين مَن الله عليهم بالهداية والمعرفة بلا سبب، وهؤلاء يدخلون ضمن نطاق النادر، والنادر وإن كان يحدث فلا حكم له ولا يُقتدى به، وإنما يُقتدى بالقاعدة. فسلوك الطريق التصوف واتخاذ المشايخ هي القاعدة التي سارت عليها الأمة في كل مكان وزمان ولهذا نسير في هذا الركب متأسيين بصلحاء هذه الأمة عسى أن يجعلنا الله منهم ومعهم.


سؤال: ما هي الكرامات ؟ وهل هي تحدث حقيقة أم أنها بدع وخرافات ؟ ألم ينتهي خرق العادة مع موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟


 


تعريف الكرامة اصطلاحًا هو الفعل الخارق للعادة غير المقرون بالتحدي ودعوى النبوة، يظهره الله على أيدي أوليائه. فإن خرق العادة أنواع مختلفة، أعلاها المعجزة وهي ما يجريه الله لأنبيائه ويقيم به الحجة على الأمم التي بعثوا فيها، وأدناها الإهانة وهي ما يجريه الله للكاذبين كمن ادعى النبوة، وهي أن يعد قومه بشيء فيحدث ضده فيفضحه الله به بين قومه. وأقل من المعجزة هي الكرامة، وهي ما يجريه الله لأوليائه الصالحين من خرق للعادة إكرامًا له. والكرامات كانت تحدث للصالحين من أمة الحبيب على مر الزمان بداية من الصحابة وآل البيت مرورًا بالتابعين إلى الأولياء والصالحين في كل زمان حتى زماننا هذا.


والكرامة لا تدل بذاتها على صلاح صاحبها إلا إذا اقترنت بالاستقامة، ولهذا قالوا أن الاستقامة خير من ألف كرامة. فكل ولي أو صالح اشتهر بين الخلق اشتهر باستقامته قبل أن تعرف كراماته، ثم قد يجري الله الكرامة أو لا يجريها فهذا لا ينقص من صلاحه شيء.


سؤال: هل الصوفية شيعة ؟ وإن لم يكونوا شيعة فلماذا يحبون آل البيت ويزوروهم ؟


الفرق بين أهل السنة والجماعة والشيعة هو فرق عقدي أولًا وفقهي ثانيًا ولا علاقة له بالتصوف أصلًا. أهل الإسلام مقسمون لثلاثة فرق أساسية وهم أهل السنة والجماعة والشيعة والمعتزلة. أهل السنة والجماعة بضوابط الأزهر الشريف إما أشاعرة أو ماتريدية ومذهبيين الفقه وصوفية السلوك والشيعة والمعتزلة على غير ذلك. فمقارنة التشيع بالتصوف هو مقارنة بين أمرين لا علاقة لهم ببعض لأن التشيع مذهب عقدي والتصوف علم السلوك.


وبهذا التوضيح يظهر أن كل من كان من على عقيدة  أهل السنة والجماعة فهو من أهل السنة والجماعة قطعًا سواء كان من أهل التصوف أم لا، ولا علاقة للتصوف بهذه المسألة أصلًا وليست كما ينشر بعض من يريد أن يتهم التصوف بما ليس فيه.

وأما عن محبة آل البيت فإنها فرض علي كل من قال لا إلا الله، لا فرق بين سني أو شيعي أو غيره. ودلائل فرضية هذه :

المحبة موجودة في الكتاب والسنة كما نذكر منها البعض على سبيل المثال وليس الحصر


قال الله تعالى:

"قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ"

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

"أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم وأحبوني لحب الله وأحبوا آل بيتي لحبي".

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

"من أحب هذين (الحسن والحسين) وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة".

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

"حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسين"


شارك المحتوي