ما هو التصوف؟



المقال بتاريخ سبتمبر 2012


في ظل الحراك الديني الحالي والتساؤل الذي يزيد عن المسميات المختلفة ومنها الصوفية أردت أن أكتب تلخيصًا بسيطًا عن مسائل بحثت عنها في العامين الماضيين، وما وصلت إليه بالدليل النقلي والعقلي. هذه المسائل ترتبط بأصل التصوف وعلاقته بصحيح الدين ودوره في حياة المنتسب إليه.


علم التصوف هو علم شرعي شريف مستمد من القرآن والسنة يهدف إلى الوصول بصاحبه إلى مقام الإحسان المذكور في الحديث المشهور بحديث جبريل. هو علم تزكية النفس والتخلص من آفاتها مثل الكبر والحسد والشح والتحلي بالأخلاق المحمودة مثل: التواضع والرحمة والشفقة والكرم. هناك قاعدة فقهية تقول أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد، أي أن الوسيلة التي أستخدمها لأصل مقصد حكمها الشرعي يعتمد على هذا المقصد إن لم تكن محرمة في ذاتها طبعًا. والتخلص من الصفات المذمومة والتحلي بالصفات الحميدة هو من الواجبات التي يجب على كل مسلم،  فلعلها بموجب قول الله سبحانه وتعالى: "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ". فالمقصد هو تحصيل القلب السليم، والوسيلة هي سلوك طريق التصوف، والمقصد واجب وبالتالي تكون الوسيلة واجبة.


فطريق التصوف يتم لنا الوظائف الثلاثة التي خُلقنا من أجلها كما صنفها العلماء: "عبادة الله، عمارة الأرض، تزكية النفس. ونص جميع أكابر هذا العلم على استناده التام إلى القرآن والسنة في جميع الأحوال بل وكان أغلب أئمة التصوف من المتبحرين في العلوم الشرعية النابغين فيها كسيدي الإمام العز بن عبد السلام الذي كان شاذلي الطريقة وسيدي الشيخ عبد القادري الجيلاني الحنبلي الذي تنسب إليه الطريقة القادرية والإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي الذي قال عن التصوف:


"إني علمت يقينًا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق. بل لو جُمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيروا شيئًا من سيرهم وأخلاقهم، ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا إليه سبيلًا. فإن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة؛ وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به". 

وبالجملة، فماذا يقول القائلون في طريقة، طهارتها – وهي أول شروطها – تطهير القلب بالكلية عما سوى الله، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة، استغراق القلب بالكلية بذكر الله، وأخرها الفناء بالكلية في الله؟ وهذا أخرها بالإضافة إلى ما يكاد يدخل تحت الاختيار والكسب من أوائلها. وهي على التحقيق أول الطريقة، وما قبل ذلك كالدهليز للسالك إليه. ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات، حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة، وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتًا ويقتبسون منهم فوائد. ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال، إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق، فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه".

ومن الأئمة المعاصرين الذين ينتسبون للتصوف الإمام الأكبر شيخ الأزهر عبد الحليم محمود الذي كان ينتسب للطريقة الشاذلية، وسيدي الشيخ محمد متولي الشعراوي المنتسب للطريقة البلقائدية الشاذلية، والحبيب علي زين العابدين الجفري المنتسب لطريقة آل باعلوي في اليمن وأخرين لا يسع المقام لذكرهم.


فالتصوف ليس مذهبًا فقهيًا أوعقائديًا، أهل التصوف هم أهل السنة والجماعة الذين اعتنوا بالجانب السلوكي والروحي في الدين ليكونوا من أصحاب القلوب السليمة ويرشدوا الخلق إلى ذلك. فكما خصص الله رجالًا ليعتنوا بجانب الأحكام الشرعية ليستنبطوها للأمة وسموا بالفقهاء، وكما خصص رجالًا للإعتناء بالحديث وسموا بالمحدثين، وكما خصص أيضًا رجالًا للإعتناء بشرح العقيدة وتفنيدها والرد على شبهها وسموا بالمتكلمين. خصص الله رجالًا ليعتنوا بالجانب الخُلقي والسلوكي ليرشدوا الخلق إلى طريق الموصل إلى الله وسموا بالصوفية. فهم جزء أصيل من أهل السنة والجماعة، وبوجودهم فقط يتم ميراث الأمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ديننا عقيدة وفقه وسلوك.


يختلف التصوف عن بقية العلوم في أنه علم ذوقي، لا يعرف حقيقته إلا بالتجربة. فإن طالب العلم إذا درس الفقه صار فقيها ولكنه إذا درس كتب التصوف لا يكون صوفيًا. ولهذا يتحير البعض في فهم صلته بباقي العلوم الشرعية لأن طبيعته مختلفة. فهو مبني على التجربة والذوق وبقية العلوم الشريفة مبنية على الدراسة.


وبهذا يتحقق لنا أن علم التصوف من الأصول المكونة لهذا الدين وبه فقط يتحصل القلب السليم الذي لا يقبل الله غيره يوم القيامة. وللموضوع تفصيل في أصول هذا العلم وفروعه وكيفية سلوك هذا الطريق وماذا يُرجى لسالكه. 

ندعو الله أن يجعلنا من أهل الإقبال عليه السالكين الطريق إليه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.


شارك المحتوي